top of page

لِمَاذَا نَتَعَلَمُ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ؟

اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ إِحدَى أَعرَقِ اللُّغَاتِ الَتِي عَرَفَهَا الإِنسَانُ، قَدِ اختَارَهَا اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لِتَكُونَ لُغَةَ آَخِرِ أَنبِيَائِهِ وَاصطَفَاهَا لِيُبَلِّغَ بِهَا وَحيَهُ وَهُوَ القُرآنُ الكَرِيمُ، فَهِيَ الطَّرِيقُ الأَقوَمُ وَالسَّبِيلُ الأَصوَبُ لِتَفَهُّمِ الوَحيِ وَتَلَمُّسِ نُورِ النُّبُوَةِ.

عَلَى أَنَّهَا امتَازَت قَبلَ تَشَرُّفِهَا بِمَظهَرِيَّةِ الوَحَيِ وَأَنوَارِ النُّبُوَةِ بِمِا لَا يَخفَى عَلَى خَبِيرٍ بِخَلَجَاتِ النَّفسِ الإِنسَانِيَّةِ وَطَبَائِعِ المَعَانِي وَدَقَائِقِ التَّعبِيرِ. فِإِنَّ مَن تَأَمَّلَ كَلَامَ العَرَبِ قَبلَ الإِسلَامِ تَرَاءَت لَهُ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ فِي أَوصَافِ العَرَبِ الدَّقِيقَةِ لِكُلِ مَا أَصَابَتهُ أَنظَارُهُم وَاشتَغَلَت بِهِ أَفكَارُهُم وَبَاشَرَتهُ جَوَارِحُهُم، تَرَاءَت لَهُ اللُّغَةُ وَهِيَ كُلَّمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوجٌ مِن المَعَانِي الدَّقِيقَةِ العَصِيَّةِ عَلَى مَحدُودِيَّةِ ظُرُوفِ الأَلفَاظِ أَخرَجَت لَهُ مَا يُنَاسِبُهُ مِن الأَلفَاظِ الرَّقرَاقَةِ الَّتِي كَادت لَولَا تَعَيُّنِ الحَقَائِقِ وَثُبُوتِ الطَّبَائِعِ أَن تَتَمَاهَى مَع مَعَانِيهَا وَتَنزِعُ عَنهَا ثَوبَ لَفظِيَّتِهَا لِشِدَةِ تَمَاهِيهَا وَتَوَافُقِهَا وَالمَعَانِي وَلِأنَّهَا بَلَغَت الغَايةَ فِي العُذُوبَةِ وَالرِّقَةِ اللَّذَين هُمَا مُنَاسِبَانِ لِطَبِيعَةِ المَعَانِي المُجَرَّدِةِ.

وَهَذَا الَّذِي وَصَفتُ إِنَمَا هُوَ أَثرُ عِنَايَةِ الحَقِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وَمُقتَضَى حِكمَتِهِ لِتَكُونَ هَذِهِ اللُّغَةُ بَعدُ مَحَلًا لِأَشرَفِ المَعَانِي وَأَعلَى المَقَاصِدِ.

ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ اللُّغَةِ الَّتَي كَانَت مَظهَرًا لِمَعَانِي الوَحيِّ وَمَشرِقًا لِشَمسِ النُّبُوَةِ قَد كَانَت وَلَا تَزَالُ مَجَالَ مَعانِي عُقُولِ عُلَمَاءِ هَذِهِ الأُمَةِ وَمَثَارَ فُرسَانِ عُلُومِهَا، فَمِيرَاثُ النُّبُوَةِ الَّذِي هُوَ العِلمُ قَد أُدِّيَ إِلَى الأُمَّةِ بِهَا وَحُمِلَ إِلَى النَّاسِ عَلَيهَا، فَتُرَاثُ الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ الَّذِي هُوَ نِتَاجٌ عِلميٌّ عَقلِيٌّ تَرَاكُمِيٌّ مُتَدَاخِلُ مُتَشَابِكٌ مُتَآزِرٌ قَد كَانَت اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ مُمِدَةً لَهُ بِالوجُودِ وَحَامِيَّةً لَهُ عَن الضَّيَاعِ وَرَافِعَةً لِرَايَةِ قُوَّتِهِ وَثَبَاتِهِ قُبَالَ أَعَاصِيرِ النَّزَعَاتِ وَصِرَاعِ الحَضَارَاتِ.

فَكَانَ الحَاصِلُ أَنَّ الإِسلَامَ بَقَبْلِهِ وَبَعدِهِ سَبِيلُهُ اللَّغَةُ العَرَبِيَّةُ تَعَلُّمًا وَتَفَكُرًا وَإِحيَاءًا وِإِبقَاءًا.

وَعَلَى اللهِ قَصدُ السَّبِيلِ وَمِنهُ وَإِلَيهِ المَصدَرُ وَالمَآبُ، وَهُوَ حَسبُنَا وَنِعمَ الوَكِيلُ.


bottom of page